مما
يثير الغرابة والعجب .. عندما ترى بعض الناس يحرص كل الحرص ، ويذل نفسه
غاية الذل .. ويتوسل بكل شيء حتى يصل إلى محبة ملك من ملوك الدنيا .يحمل
من الأشياء مايؤنف عن ذكره ومن الضعف والعجز مايزهد في القرب منه مع هلاكه
المحقق وملكه الزائل
وفي
المقابل لا تجد هذا الإنسان .. يحرص ، ويرغب ، ويبذل ، ويتعب ، و يضحي حتى
يصل إلى محبة علام الغيوب ،مالك القلوب ،والذي عن طريقه يظفر بكل مطلوب
،بل لايرتقي حتى تصبح أمنيته الكبرى وغايته العظمى والتى يقدم فيها روحه
رخيصه لينال شرف " محبة الله له "قال تعالى : {... يحبهم ويحبونه ... } .
· وحقيقة العبودية : الحب التام ، مع الذل التام ، والخضوع للمحبوب .
· الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها :
ذكرها ابن القيم رحمه الله .. فتدبرها جيدا واعمل بها ، واحرص عليها .. ( باختصار )
1- قراءة القرآن والتدبر لمعانيه .
2- التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض .
3- دوام ذكره على كل حال .. باللسان والقلب والعمل والحال .. فنصيبه على قدر نصيبه من هذا الذكر.
· قال بعض السلف : علامة حب الله كثرة ذكره .. فإنك لن تحب شيئا إلا أكثرت من ذكره .
· وعن أبي بن كعب قال : من أكثر ذكر الله برئ من النفاق ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً .
4- إيثار مرضاته ومحابه على محابك عند غلبات الهوى .
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومعرفتها .
6- مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة .. فإنها داعية إلى محبته .
7- انكسار القلب بكليته بين يدي الله عز وجل .
8- الخلوة
به لا سيما عند النزول الإلهي ، لمناجاته وتلاوة كتابه ، والوقوف بالقلب
والتأدب بآداب العبودية بين يديه .. ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
9- مجالسة المحبين الصادقين .. والتقاط أطايب ثمرات كلامهم .
1- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فمن هذه الأسباب العشرة .. وصل المحبون إلى منازل المحبة .. ودخلوا على الحبيب .
· حكمة بليغة ..
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله
: فلو أن الإنسان عرف كل شيء ولم يعرف الله سبحانه وتعالى ، كان كأن لم
يعرف شيئا . وعلامة المعرفة .. الحب ، فمن عرف الله أحبه . وعلامة المحبة
.. أن لا يؤثر عليه شيئا من المحبوبات ، فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات
فقلبه مريض .
· كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : اللهم اجعل يوم سروري يوم لقائك .
المحـبة الصادقـة
ومن أبرز الصفات التي يتصف بها المرتقي في منازل السائرين إلى الله ، وهي التي حركته وأشعلت في قلبه نار الشوق هي ( المحبة الصادقة لله تعالى ) .ولا شك أن المحبة الصادقة لها علامات تدل عليها ..
· قال ابن القيم رحمه الله : أن يكون قلبه دائما في سفر إلى الله عز وجل ، وان كان مشغولا بظاهره .. وهذه الآثار تظهر في مواطن أربعة :
§ الموطن الأول : عند مضجعه .. وتفرغ حواسه وجوارحه عن الشواغل ، فانه لا ينام الا على ذكر من يحبه ..
انتبه : ( وليس على الفضائيات ، ولا على الأغاني الماجنة ، ولا المكالمات التافهة ) .
§ الموطن الثاني :
عند استيقاظه من النوم .. فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه ، فانه لما
فارق محبوبه بالنوم فلما ردت إليه روحه رد إليه ذكر محبوبه فامتلأ قلبه به
، لان حب محبوبه في داخل قلبه .
§ الموطن الثالث : عند
دخوله في الصلاة فإنها محك الأحوال ، وميزان الأعمال .. فانه لا شيء أطيب
عند المحب من خلوته بمحبوبه ، ومناجاته ومثوله بين يديه وقد اقبل محبوبه
بين يديه ..
· ميزان الصلاة ..
فالصلاة قرة عين المحبين .. وسرور أرواحهم ولذة قلوبهم ، فإذا قام إلى
الصلاة هرب من سوى الله تعالى إليه واطمئن بذكره .. فلا يوزن إيمان العبد
و محبته لله بمثل ميزان الصلاة .
- الموطن الرابع : عند الشدائد والأهوال .. فان القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده .
· انتبه
... لأمر خطير جدا : قال ابن القيم رحمه الله تعالى : يعرض على المرء عند
الموت الشيء الذي كان يحبه ويكثر ذكره ، وربما خرجت روحه وهو يلهج بذكره .
· فمن كان مشغولا بالله وبذكره في حياته فلا بد أن يأتيه عند موته ..
· ومن
كان في غفلة عنه في الدنيا .. فكيف يحصل له ذكره في تلك اللحظة الحرجة ..
والله المستعان .. فان كنت ممن تذكر ربك وتحبه في هذه المواطن الأربعة ،
فهذه علامة لصحة محبتك وإلا فاطلبها فإنك من المدعين فقط . اهـ بتصرف
· إيثار الخالق على المخلوق له علامات وصور :
1- إيثار رضاه على رضا غيره .
2- والخوف والرجاء والمحبة والذل له دون غيره .
3- والسؤال والطلب منه لا من غيره .
4- فعل ما يحبه الله إذا كانت النفس تكرهه .
5- و ترك ما يكرهه الله عز وجل إذا كانت النفس تحبه وتهواه .
وهذا الإيثار يرقي العبد بسرعة فائقة إلى الله ، وثمرته في العاجل والآجل .. لا تشبه ثمرة شيء من الأعمال .اهـ
· قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : في قوله { إن كنتم تحبون الله } من أحب طاعة الله أحبه الله ، وحببه إلى خلقه .
· كيف تعرف أنك قريب من الله ؟
قال ابن القيم رحمه الله : على قدر قرب العبد من الله يكون اشتغاله بالله ..
انتبه .. انتبه
.. وانظر في قلبك ونفسك وحياتك ووقتك وجوارحك ، هل أنت منشغل بطاعة الله
وذكره ، وعبادته والتقرب إليه ، أم أنت منشغل بغيره من الأمور التافهة ؟!!
· قال بعض السلف : ادعى قوم محبة الله ، فأنزل الله آية المحنة { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } .
· قال بعض المحبين :
مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قالوا : وما
أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والإقبال
عليه ، والإعراض عن ما سواه .
· قلوب المحبين :
- قال ابن الجوزي رحمه الله : قلوب المحبين مملوءة بذكر الحبيب ، إن نطقوا فبذكره ، وإن تحركوا فبأمره ، وإن فرحوا فلقربه.
- وقال رحمه الله كذلك : أبدان المحبين عند أهل الدنيا ، وقلوبهم عند الحبيب .